يقول المُصنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-:
[وغالب سور القُرْآن متضمنة لنوعي التوحيد] بل إن كل سورة في القُرْآن متضمنة للتوحيد، والقرآن كله في التوحيد فمثلاً: يذكر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- القصص في القرآن، وقد يذكر ما ليس له تعلق بالأنبياء، كقصة قارون ويحدثنا بالتفصيل عن أحوال الأمم، وهلاك قوم عاد وثمود ونوح وتكذيبهم، وما أجابوا من الرسل وليس فيها أمر صريح بالتوحيد، ولكنه خبر عن حال الذين كذبوا بالتوحيد، وماذا كَانَ مصيرهم لما جحدوا بالتوحيد وأشركوا بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وكذا الآيات في وصف الجنة، في وصف النار، كما في سورة الإِنسَان، وكذلك في سورة الواقعة، علاقتها بالتوحيد أنها تتحدث عن مصير الموحدين وهو الجنة، وعن مصير الْمُشْرِكِينَ وهو النار، فكل شيء في القُرْآن فهو: إما عن التوحيد في ذاته وإما عن لوازمه ومقتضياته، وكذلك إما عن الشرك في ذاته وحقيقته، وإما عن لوازم الشرك ومقتضياته، وإما عن جزاء أهل الشرك أو جزاء أهل التوحيد.
فذكر المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ أن القُرْآن إما أخبر عن الله وأسمائه وصفاته مثل سورة:
((قلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد)) وآية الكرسي وما أشبه ذلك، وهو التوحيد العلمي الخبري، أو توحيد المعرفة والإثبات أو التوحيد الاعتقادي كلها أسماء لشيء واحد.
وإما دعوة إِلَى عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما يعبد من دونه وهو التوحيد الإرادي الطلبي، فمثلاً: سورة الكافرون والأنعام والزمر هي أمر ونهي وإلزام لطاعته، فآيات تأمرنا بالمحافظة عَلَى الصلاة، وآيات تحث عَلَى الإنفاق وتبين فضل الإنفاق في سبيل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وآيات تدل عَلَى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالصلاة والزكاة من حقوق التوحيد كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
{أمرت أن أقاتل النَّاس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رَسُول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة} وقَالَ:
{إلا بحقها}.
وبذلك استدل
أبو بكر الصديق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بعد وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ارتدت العرب فَقَالَ له
عُمَر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ومعظم الصحابة:
كيف تقاتل من يشهد أن لا إله إلا الله، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمرت أن أقاتل النَّاس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله} فاستدلوا عَلَى
أبِي بَكْرٍ بالرواية المطلقة التي ليس فيها التفصيل واستدل عليهم
أبُو بَكْرٍ بقوله:
{إلا بحقها} وأن الزكاة حق المال.
ومثلاً تحدث في سورة يوسف عن سيرة إنسان موحد هو نبي من أنبياء الله، اصطفاه الله تَعَالَى لتتحقق عَلَى يديه هذه الآيات البينات ويدعو إِلَى الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَقَالَ في السجن:
((يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ))[يوسف:39] وأخذ يدعوهم وهم في السجن.
وأما قصة حسد إخوانه، وكيف ألقوه في البئر، وكيف شروه بثمن بخس، وكيف وقعت له الفتنة مع المرأة وخلصه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ورفعه عن دنس الحرام والزنى، وكيف صار ملكاً، كل هذا حديث عن إكرام من الله لأهل التوحيد.